بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلى على محمد وال محمد
"
واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا " قال : خرجت إلى النخلة اليابسة " فاتخذت من دونهم حجابا " قال : في محرابها " فأرسلنا إليها روحنا " يعني جبرئيل عليه السلام " فتمثل لها بشرا سويا * قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا " فقال لها جبرئيل : " إنما أنا رسول ربك لاهب لك غلاما زكيا " فأنكرت ذلك لانه لم يكن في العادة أن تحمل المرأة من غير فحل ، فقالت : " أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا " ولم يعلم جبرئيل أيضا كيفية القدرة فقال لها : " كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا " قال : فنفخ في جيبها فحملت بعيسى عليه السلام بالليل فوضعته بالغداة ، وكان حملها تسع ساعات جعل الله الشهور لها ساعات ، ثم ناداها جبرئيل : " وهزي إليك بجذع النخلة " أي هزي النخلة اليابسة ، فهزت وكان ذلك اليوم سوقا فاستقبلها الحاكة وكانت الحياكة أنبل صناعة في ذلك الزمان ، فأقبلوا على بغال شهب ،
فقالت لهم مريم : أين النخلة اليابسة ؟ فاستهزؤوا بها وزجروها ، فقالت لهم : جعل الله كسبكم نزرا ، وجعلكم في الناس عارا ، ثم استقبلها قوم من التجار فدلوها على النخلة اليابسة فقالت لهم : جعل الله البركة في كسبكم ، و أحوج الناس إليكم ، فلما بلغت النخلة أخذها المخاض فوضعت بعيسى ، فلما نظرت إليه قالت : " ياليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا " ماذا أقول لخالي ؟ وماذا أقول لبني إسرائيل ؟ فناداها عيسى من تحتها : " ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا " أي نهرا " وهزي إليك بجذع النخلة " أي حركي النخلة " تساقط عليك رطبا جنيا " أي طيبا ، وكانت النخلة قد يبست منذ دهر طويل فمدت يدها إلى النخلة فأورقت وأثمرت وسقط عليها الرطب الطري وطابت نفسها ،
فقال لها عيسى : قمطيني وسويني ثم افعلي كذا وكذا ، فقمطته وسوته ، وقال لها عيسى : " فكلي واشربي وقري عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما " وصمتا كذا نزلت " فلن أكلم اليوم إنسيا " ففقدوها في المحراب فخرجوا في طلبها ، وخرج خالها زكريا عليه السلام فأقبلت وهو في صدرها وأقبلن مؤمنات بني إسرائيل يبزقن في وجهها ، فلم تكلمهن حتى دخلت في محرابها ، فجاء إليها بنو إسرائيل وزكريا فقالوا لها : " يامريم لقد جئت شيئا فريا * يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا " ومعنى قولهم : يا أخت هارون أن هارون كان رجلا فاسقا زانيا فشبهوها به ، من أين هذا البلاء الذي جئت به والعار الذي ألزمته بني إسرائيل ؟
فأشارت إلى عيسى في المهد فقالوا لها : " كيف نكلم من كان في المهد صبيا "
فأنطق الله عيسى عليه السلام فقال : " إني عبدالله آتاني الكتاب وجعلني نبيا * وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلوة والزكوة مادمت حيا * وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا * والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا * ذلك عيسى بن مريم قول الحق الذي فيه يمترون " أي يتخاصمون (1)
---------
(1) البحار ج14 ص208